الأنثى في «واحدان»: سطوة الصمت وسيادة الذكورة

اخبار من اليمن معاناة المرأة وانكساراتها العاطفية وغرائزها المكبوتة، كانت إحدى أبرز السمات البارزة في المجموعة القصصية الجديدة للكاتبة والأديبة العربية، ابنة حضرموت، هدى العطاس.
«واحدان» هو أسم الإصدار الذي ذاع صيته في معرض الكتاب في العاصمة اللبنانية بيروت مؤخراً، وتجمعت مادته من مجموعة من القصص القصيرة والقصيرة جداً التي كتبتها العطاس في مراحل سابقة، وأعادت تشذيبها في كتيب من الحجم المتوسط يتداوله القارئ العربي أينما كان وحيثما ارتحل، مدججاً في بعض قصصه بكلمات من اللهجة الحضرمية الدارجة التي فسرت معانيها في هوامش أسفل صفحة كل قصة.
تفتح «واحدان» لتقرأ عن معركة ليلة الدخلة غير المتكافئة بين طرفي معادلة، ينظر إليهما المجتمع التقليدي نظرة الإيجاب والسلب، الفاعل والمفعول به، الآمر والمطيع، صاحب الكلمة العليا ومن ليس من حقه أن يتفوه بحرف، والنتيجة النهائية (صفرية) فلا الرجل برجل ولا المرأة امرأة.
يغوص القارئ في أعماق القصص، ليعاين جثتي واحدان ملتصقة، سقطا من الفضاء الممتد بين عرشهما إلى قعر البحر، لتطاردهما همهمات حقد وأصوات تقتات من لحم الفضائح، وتحاصرك أرواح تشرعن التدخل في الخصوصيات وإسقاط كل ما يدعى (حرمة).
تتقدم في قضم الوريقات، فليتاع قلبك وأنت تتابع خطوات قاتل نحر ضحيته انتقاماً لثأر قديم وخوفا من ارتداء أسمال العار أمام قبيلته طيلة حياته، لا حسن الضيافة ولا كرم إنقاذه من الغرق في السيل العرمرم، شفعا للقتيل أمام رغبة الانتقام التي نزعت الإنسانية من قلب الغريم الذي تجاهل حتى صرخات مولود ضحيته الذي كتب له بعدها أن يعيش يتيماً.
صورة واقعية لثمن الخيانة، التي تدفعها الأنثى فقط، اختزلتها العطاس في قصة (أنين)، فالفتاة الفقيرة التي تتمتع بمقومات الجمال الطبيعي، وتراودها أحلام اليقظة، تكون صيداً سهلا للرجل الثري، الذي لا يعبأ بمأساتها ولا يجد من يحسابه على جريمته، التي يتم غسلها بدم الفتاة لتدفن هي و(العار) في قبر واحد.
تحرض العطاس في إحدى قصصها على اللجوء إلى البحر، ومراقبة تياراته، وملامسة أمواجه، ليثري الروح المنهمكة، ويبعث وهج الطاقة المنطفئة بداخلنا، ويغذي غرائزنا الفطرية التي أصابها الفتور ونزعت عنها الحرارة من معين لا ينضب ودفق عاطفي من ينبوع الطبيعة.
زواج القاصرات، للتخلص من حمل تربية الأنثى، خوفاً من عدم ضبط جماحهن، شكل إحدى زوايا العدسة التي دارت أهدابها في (واحدان)، فقديماً كان العرف السائد أن هذا النمط من الزواج مقروناً بإملاق أسرة الفتاة، ولكن مؤيديه وجدوا مبرراً آخر لفرضه وهو سترتها وضمان عفتها، وفي كل الأحوال تساق للبيع في سوق النخاسة، حيث تحرم من أبسط الحقوق، ولا يجوز (خلقاً وحشمة) أن تبدي حبها لشريك حياتها لا في فراش الزوجية عندما يحرث الرجل جسدها ويزرع بصمته الجينية في أحشائها، ولا حتى وهو يسافر بعيداً عنها في رحلة اغتراب قد تنتهي بموتها قهراً على زواجه من غيرها، وتطوى صفحتها بحكايات عن إصابتها بمس شيطاني أفقدها لبها وسهل طريقها للانتحار، لتبقى مثيلاتها من بنات حواء حبيسات الصمت والسياط الذكوري.
لم تطوي هدى العطاس، صفحات قصصها في (واحدان) إلا وهي تعد كما كشفت لـ(اليمن العربي) مجموعة جديدة من إصداراتها الإبداعية، بعنوان «أشياء إسنفجية»، وهي إذا تؤكد بأن «واحدان» لم تخض في معاناة المرأة اليمنية في الحرب، نظراً إلى أنها استوعبت قصص كتبتها منذ زمن، إلا أنها ترى بأن قسوة الحياة التي يواجهها الإنسان اليمني رجلاً كان أو امرأة اليوم، لم تعد تختلف كثيراً عن ذي قبل، فكلاهما في الهم والحزن والانكسار واحد.