المتقاعدون.. مشوار إهمال ونسيان!
اخبار من اليمن كتب / سالم الفراصمهما أوتيتَ من العلم الديني والدنيوي لابد أن تقف حائراً مرتبكاً متلبكاً أمام تفسير وفهم وشرح ظاهرة التقاعد التي تنفرد بها بلادنا دون بلدان العالم، التي ترى فيها حياة اخرى فريدة متميزة تمنح للموظف والعامل والباحث والعالم بعد رحلة عمل مقيدة بالدوام والالتزام وإنجاز المهام، لتبدأ رحلة حياة حرة طليقة مترعة بالأحلام والأماني العظام.
فيها تفتح لك كل المسالك لتحقق فيها ذاتك كإنسان تخترع وتبتكر، تسافر، تكتشف، تتزوج، تخلف، دون قلق أو اضطراب أو خوف من هلاك بسبب جوع أو علاج أو رعاية واهتمام..
معك ما يكفيك ويعينك على البدء بتنفيذ ما عزمت عليه من مشاريع.
التقاعد عندهم حياة جديدة أكثر طموحاً واغراء ومتعة.. حياة جديدة يتعجل المتقاعد انقضاء سنوات بلوغها والانخراط فيها بشغف ولهفة وسرور وكأنها بداية خروجه إلى الحياة.. بداية ولادة.
وفي حين ان هذه المعلومة عن التقاعد وما يعنيه في بلدان الله، مازال عندنا الاشارة إليها ولو بصورة عابرة شيئاً من خيالات ألف ليلة وليلة، وأن مجرد التفكير في نيل وتحقق جانب من جوانبها من المستحيلات التي يصعب على العقل استيعابها أو الاحاطة بها.
وذلك لا لشيء وانما لأن التقاعد عندنا قد حكم عليه أن يكون نهاية حياة وموقف انتظار لرحيل أبدي، عليك ان تقاسي صروف العذاب والحرمان والنبذ والنسيان والاذلال لتبلغه وتنتهي إليه.. رحلة تجعلك تكره الليالي التي تمر لتلحقك بصباحات الأيام، تتمنى الموت في كل لحظة وآن.. تلعن اليوم الذي ساقك إلى هذا المصير، تستسخف وتحتقر الأيام التي صرفتها أيام شبابك ودراستك والتحاقك بعمل يمتص من عروقك آخر قطرات لبن رضعتها.. عمل بالكاد يستطيع بعد طول جهد وحصار وتقشف وحرمان وتعرضك للاصابة بأمراض شتى تصيبك بالهزال، لتتزوج وتنجب أطفالاً وتصبح رب أسرة لا ينقطع فيها ومعها عنك تكالب الهموم والأهوال وأنت تسعى لاشباع بطونهم وبناء سقف لهم وجدران.
حياة عمل أولها ضنك وحمل أثقال وآخرها صرف وإبعاد لا يشفع لك عطاء وبذل وحرص واخلاص.
مشوار يسلمك ضعيفاً فقيراً بلا دحن أو فضل إزار.. لهاوية التناسي والنسيان.. محروماً من أي اهتمام أنت ومن تعول من أسرة وأولاد سواء بقيت حياً أو أصبحت تحت التراب.. راتبك قليل ضئيل هابط باستمرار لا يلحقك ولا المستفيدين من المدعو راتبك أي زيادة لا سنوية ولا دهرية حتى تلك التي بها قرار الـ 30 ٪ عليك ان تظل تلاحقها كسراب ولا خيار، لانك أصبحت منسياً خارج الحساب وما عليك إلاَّ الانتظار.