اخبار اليمن

تحولات صيام رمضان في تركيا: من التضييق السياسي إلى العودة للهوية الإسلامية

شهدت تركيا تاريخًا معقدًا حول الصيام، حيث ارتبطت هذه الشعيرة بمسائل الهوية والدين والسياسة. في بداية تأسيس الجمهورية عام 1923، أدت سياسات العلمنة الصارمة إلى تقليص المظاهر الدينية، بما في ذلك إغلاق المساجد ومنع الصيام في المؤسسات العامة. على الرغم من ذلك، استمر المجتمع التركي في الحفاظ على تقاليد رمضان، بل وعاشه كرمز للهوية الثقافية والدينية.

في عام 1924، أبرم مصطفى كمال أتاتورك فصل الدين عن الدولة بإلغاء وزارة الشريعة والأوقاف، مما سمح بتطبيق قانون توحيد التعليم الذي أغلق المدارس الدينية. لاحقًا، تم استبدال التقويم الهجري بالميلادي، مما أدى إلى تلاشي المناسبات الإسلامية من الأجندة الرسمية. وفقًا لدراسة للباحث بنيامين كوجا أوغلو، لم تحظر الدولة الصيام رسميًا، لكنها وضعت قيودًا غير مباشرة عليه؛ حيث اعتبر الصيام في بيئة العمل دليلًا على التشدد الديني.

أفادت الوثائق أن بعض الوزارات طلبت من الموظفين أن يتجنبوا إظهار صيامهم، مما دفع العديد منهم إلى تناول الطعام علنًا. استُهدفت المدارس أيضًا، حيث كان الطلاب يتعرضون لضغوط لشرب الماء أمام المعلمين لإثبات عدم صيامهم. في الجيش، تم تنفيذ سياسات صارمة لرصد جنود لم يتناولوا الطعام خلال الوجبات، مما أدى إلى قلق الكثيرين من العقوبات.

مع حلول الثلاثينيات، ازدادت حدة هذه السياسات لتشمل أيضًا المساجد وعادات رمضان السائدة. وشهدت بعض العادات تغييرات بموجب توجيهات حكومية، مثل منع قرع الطبول للسحور.

إقرار العلمانية عام 1928 لم يكن مجرد تعديل دستوري، بل كان نقطة تحول تحدد موقف الدولة تجاه الإسلام. ومع ذلك، لم يتم فرض حظر رسمي على الصيام، بل تزايدت الضغوط على الممارسات الدينية بالترويج لأسلوب حياة حديث، ما أدى إلى تغيرات في سلوكيات المجتمع، لا سيما في المدن الكبرى التي شهدت تحديثًا أسرع.

ومع بدايات الخمسينيات، بدأ التراجع عن سياسات التضييق على الدين مع اشتداد التعددية السياسية، حيث تمكن الحزب الديمقراطي بقيادة عدنان مندريس من إعادة الأذان بالعربية، مما مثل علامة فارقة في استعادة الهوية الإسلامية.

تؤكد تجربة تركيا أن القمع الديني لا يضر بالدين بقدر ما يعزز من تمسك المجتمع به، إذ ظل رمضان جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية للأتراك، واستعاد حضوره بقوة في المشهد العام.

مصدر الخبر الأصلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى