الاضطرابات المناخية تهدد الأمن الغذائي في اليمن مع اقتراب موسم الجفاف الشديد

بدأت الأمطار تهطل على أجزاء من محافظتي تعز ولحج جنوب غربي اليمن، بعد فترة انتظار طويلة. إلا أن الغالبية العظمى من المزارعين في المناطق الأخرى لا يزالون يزرعون قوتهم تحت رحمة السماء، في ظل مخاوف من تلف البذور نظراً لعدم انتظام الأمطار وتغير مواسم الزراعة.
ويؤكد خبراء زراعيون أن تأخر الأمطار وتذبذب مواسم الزراعة، بجانب غياب الحلول البديلة، يتسببان في تراجع الإنتاج الزراعي بشكل حاد. هذا التراجع لا يقتصر على المحاصيل بل يمتد ليشمل تربية المواشي، مما يؤثر سلبًا على الأمن الغذائي للأسر الريفية التي تعتمد بشكل كبير على هذه الأنشطة لتوفير غالبية احتياجاتها المعيشية على مدار العام.
وتعتبر محاصيل الحبوب والبقوليات، التي تعتمد زراعتها بشكل أساسي على موسم الأمطار، عنصراً غذائياً حيوياً للمزارعين وعائلاتهم، خاصة في فصل الشتاء الذي يلي موسم الحصاد. خلال هذه الفترة، يقل اعتمادهم على الأغذية المستوردة، كما أن بيع جزء من محاصيلهم يوفر لهم دخلاً مؤقتاً.
وتعاني العديد من المناطق الريفية في مديريات تعز الجنوبية من جفاف لم يسبق له مثيل، مع شح شديد في المياه. يضطر السكان، وخاصة النساء والأطفال، إلى قطع مسافات طويلة للحصول على كميات محدودة من المياه للشرب والاستخدامات المنزلية، محملين بها على رؤوسهم أو ظهور المواشي.
هذا الوضع دفع بعض المزارعين إلى اتخاذ إجراءات استثنائية لحماية أراضيهم من التدهور، حتى لو تطلب الأمر دفع مبالغ مالية للأسر التي كانت تستغل أراضيهم. فقد اشتكت هذه الأسر من عدم قدرتها على تحمل تكاليف الزراعة، بعد أن كانت سابقاً تشارك المزارع المحصول وتمنحه من منتجات مواشيها.
وحذرت تقارير دولية من تدهور كبير في القطاع الزراعي باليمن، نتيجة استمرار الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، وما لذلك من تداعيات خطيرة على سبل العيش وتوفير الغذاء.
وأظهرت بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) أن اليمن شهد خلال الفترة الماضية هطول أمطار موسمية محدودة في المرتفعات، بينما سيطر الجفاف على المناطق الشرقية والساحلية. تجاوزت درجات الحرارة في هذه المناطق 42 درجة مئوية، مما زاد من معدلات التبخر وخفض رطوبة التربة، مؤثراً سلباً على المحاصيل حتى في المناطق المرتفعة عادةً.
وتعبر المنظمة عن قلقها من الضغط المتزايد على الموارد المائية بسبب انخفاض تدفق المياه والحاجة الماسة للري، مما يفاقم التحديات التي تواجه المجتمعات الزراعية، خاصة في المناطق المرتفعة والساحلية. وقد دعت إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للتخفيف من آثار الجفاف على الإنتاج الزراعي ودعم المزارعين، وتعزيز أنظمة الإنذار المبكر.
وتأثرت محافظة لحج بشكل خاص بتراجع كميات الأمطار وارتفاع درجات الحرارة خلال السنوات الأخيرة، مما ألقى بظلال قاسية على سكانها الذين يعمل معظمهم في الزراعة. يصف خبراء زراعيون الوضع في لحج بأنه يقترب من الكارثي، حيث زُحفت الرمال على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وجردتها من الغطاء النباتي، بينما أصبح الحصول على الماء للأغراض المنزلية يشكل هاجساً للسكان.
وتُعد محافظتا تعز ولحج من أكثر المناطق تأثراً بالجفاف والتغيرات المناخية، نظراً لضيق المساحات الصالحة للزراعة مقارنة بالكثافة السكانية المتزايدة بفعل النزوح خلال سنوات الحرب. وقد اضطرت آلاف العائلات النازحة إلى العودة إلى مواطنها الأصلية في هاتين المحافظتين.
وقد كشف تقرير أممي عن تدهور كبير في مؤشرات الغطاء النباتي في معظم المناطق الزراعية باليمن. أدى نقص الأمطار وارتفاع الحرارة إلى ظهور علامات مبكرة لإجهاد النبات واسع النطاق، مما ينذر بانخفاض إنتاجية المحاصيل في الموسم الزراعي الحالي.
كما أن تأخر الزراعة في المناطق المعتمدة على الأمطار، وانخفاض توافر الأعلاف للمواشي، وارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية، كلها عوامل تجعل سبل العيش أكثر هشاشة وتزيد من مخاطر الأزمة الغذائية في الأرياف.
ويضيف النزوح الناتج عن الحرب ضغطاً هائلاً على الموارد المائية، كما دفع إلى زيادة الاحتطاب الجائر بسبب أزمات الغاز وارتفاع أسعاره، مما ساهم في تدهور الغطاء النباتي، وانخفاض رطوبة الجو التي تساعد على هطول الأمطار، وارتفاع مستمر في درجات الحرارة.
وقد دفع الجفاف العديد من العائلات في المحافظات المتضررة إلى التخلي عن مهنة الزراعة والنزوح بحثاً عن مصادر رزق بديلة، مما أدى إلى تفاقم التصحر في المناطق المهجورة.
يتوقع الناشطون أن تسهم الأمطار المتوقعة خلال الأسابيع القادمة في التخفيف من أزمة المياه والجفاف، وإعادة إحياء بعض الأراضي الزراعية.
إلا أن المزارعين لا يزالون يفتقرون إلى الخبرات والإمكانيات الكافية للتعامل مع تأخر مواسم الأمطار وتغيير مواسم الزراعة، وإدارة الموارد المائية المحدودة للحفاظ على أمنهم الغذائي.