عراقيل الفساد تعيق تحسن الواقع الاقتصادي في المحافظات اليمنية المحررة

على الرغم من تحرير عدد من المحافظات اليمنية من قبضة الحوثيين، إلا أن الواقع الاقتصادي فيها لا يعكس أي تحسن، وسط اتهامات متزايدة بالفساد وتورط مسؤولين محليين ومركزيين في شبكات مصالح تعرقل التوريد المالي وتهدر الموارد العامة، مما يزيد من تفاقم معاناة السكان.
يُفترض أن تشكل المحافظات المحررة مصدرًا رئيسيًا للإيرادات الحكومية، نظرًا لاحتضانها أهم المنافذ الجمركية والمحلية. لكن تقارير متعددة تؤكد أن كثيرًا من هذه الإيرادات، وعلى رأسها الضرائب والجمارك، لا تصل إلى البنك المركزي في عدن، في مخالفة صريحة للقوانين المالية. كما يُتهم عدد من مسؤولي السلطات المحلية في هذه المحافظات بالتراخي في تحصيل الموارد أو التحفظ عليها لمصالح ضيقة، ما يفقد الدولة جزءًا كبيرًا من قدرتها على الوفاء بالتزاماتها، خاصة فيما يتعلق بالخدمات الأساسية ورواتب الموظفين.
وتشير مصادر مطلعة إلى تقاعس واضح في تحصيل الضرائب من كبار المكلفين، من شركات وتجار ونشاطات نفطية، حيث يحصل بعضهم على إعفاءات غير مبررة أو يتم التساهل معهم من قبل مسؤولين يرتبطون بعلاقات غير رسمية معهم. وهذا ما يعد أحد أبرز مظاهر الخلل المالي في هذه المناطق.
ويصطدم الاصلاح المالي والإداري بتكتلات نافذة تضم مسؤولين وصرافين وتجاراً، تتشابك مصالحهم في السوق والسلطة. ويؤدي هذا التداخل إلى تعطيل أي خطوات تهدف إلى تنظيم الموارد أو ضبط السوق المصرفي أو مراقبة حركة الوقود، خشية المساس بمكاسبهم. ويذهب بعض الناشطين إلى القول إن الوضع القائم لم يعد مجرد إهمال أو فساد إداري، بل هو “تحالف مصالح” يعمل بشكل منظم على تعطييل الدولة وإبقاء الفوضى كوسيلة للربح والهيمنة.
ومن أبرز القضايا التي تثير الجدل، استمرار عقود الطاقة المشتركة رغم توقف بعضها عن العمل أو تشغيلها بشكل جزئي. فهذه العقود، التي تكلف خزينة الدولة ملايين الدولارات شهريًا، لم تخضع حتى اليوم لمراجعة شفافة، وسط اتهامات بوجود عمولات ومنافع متبادلة بين شركات الطاقة وبعض المسؤولين.
في المقابل، يعيش المواطن في المحافظات المحررة تحت وطأة أزمة معيشية خانقة، مع انقطاع الخدمات، وارتفاع الأسعار، وتراجع فرص العمل، في ظل غياب أي خطط حكومية واضحة لمعالجة هذه الملفات أو محاسبة المتسببين في إهدار المال العام. ويرى محللون أن ما يحدث لا ينفصل عن غياب الإرادة السياسية للإصلاح، داعين إلى خطوات عاجلة تشمل توحيد الإيرادات العامة، وإخضاع كبار التجار للرقابة الضريبية، ومراجعة عقود الطاقة، وتفكيك شبكات المصالح التي تتغذى على ضعف الدولة.