معهد أمريكي: هدنة أمريكا والحوثيين رسخت توازن القوى وعمّقت الانقسامات في اليمن

أكد معهد أمريكي وجود توازن قوى جديد في اليمن جراء الهدنة بين الولايات المتحدة والحوثيين، حيث ساهم ذلك في تثبيت الوضع الراهن للصراع الدائر. ورغم أن أي تحول في علاقة إيران بإسرائيل قد يؤثر على هذا التوازن، إلا أن الانقسامات الداخلية بين القوى اليمنية المناوئة للحوثي حالت دون استغلال أي فرصة محتملة.
وقد سمح توقف العمليات الجوية الأمريكية ضد الحوثيين بتمكين الجماعة من إصلاح بنيتها التحتية وإعادة تنظيم صفوفها. في المقابل، قد ينعكس ذلك سلبًا على الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، لا سيما المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، الذي كان يُعد أحد القوى القادرة على شن هجمات برية، ولكنه يواجه حالياً غضبًا شعبيًا بسبب الأوضاع الاقتصادية في عدن ومدن جنوبية أخرى، بالتزامن مع تزايد النفوذ السعودي في حضرموت.
ويُعتبر تثبيت الوضع الراهن نتيجة للهدنة أمراً غير مرضٍ من منظور المصالح الأمريكية، فهو يخدم مصالح الحوثيين على المدى القصير ويعمق الانقسامات بين قوى السلطة المتنافسة، مما يضعف أي جبهة موحدة قد تساهم في الحد من تهديد الجماعة المدعومة من إيران. ورغم أن الحرب المحدودة بين إسرائيل وإيران قد تُقلص الدعم الإيراني للحوثيين وتفتح فرصة قصيرة للقوى المعارضة لهم، إلا أن افتقار هذه القوى للتنسيق واعتمادها على دعم خارجي غير متاح يحد من فعاليتها.
لقد استفاد الحوثيون من الهدنة للتركيز على عدة جوانب تعزز سيطرتهم، منها إصلاح البنية التحتية الحيوية التي تضررت، واستعادة تدفق الإيرادات والأسلحة، وإعادة نشر قواتهم. كما يستغلون خطاب “النصر بالمقاومة” لتوسيع حملات التجنيد والتعبئة، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى زيادة كبيرة في أعداد المقاتلين الحوثيين. بالإضافة إلى ذلك، تسعى الجماعة إلى تنويع تحالفاتها الخارجية، مستفيدة من مكانتها المتصاعدة جراء هجماتها البحرية، مما أتاح لها فرصًا للدخول في مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة وجذب اهتمام فاعلين جدد مثل فصائل شيعية عراقية وروسيا والصين.
وتواجه الحكومة اليمنية ومجلس القيادة الرئاسي خسائر كبيرة نتيجة للهدنة الأمريكية-الحوثية، حيث تتفاقم الأزمة الاقتصادية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، ويظهر رئيس المجلس ضعفاً في فرض سلطته على المؤسسات الأمنية والعسكرية. وقد أدى حصار الحوثيين لصادرات النفط من الموانئ الجنوبية إلى خسائر مالية فادحة للحكومة، مما أثر على رواتب الموظفين وتفاقم من تدهور الخدمات وارتفع معدلات التضخم، وأثار احتجاجات شعبية. كما تفاقمت الخلافات الداخلية بين ممثلي الحكومة، مما أضعف ثقة المانحين الدوليين.
يُعد المجلس الانتقالي الجنوبي من أكبر المتضررين من وقف الهجمات الأمريكية على الحوثيين، فبينما يسعى للانفصال، تضرر اقتصاده بشكل مباشر جراء الحصار الحوثي على صادرات النفط وتحويل السفن التجارية عن موانئه. أدت هذه الأزمة المالية إلى احتجاجات واسعة في عدن والمكلا، وقمع مظاهرات سلمية في عدن. وفي ظل تراجع نفوذ الإمارات في الجنوب، تعزز السعودية وجودها عبر دعم فصائل معارضة للمجلس الانتقالي، لاسيما في حضرموت، ساعيةً لضمان مصالحها.
وختامًا، رغم أن الهدنة منحت الحوثيين فرصة لترتيب صفوفهم، إلا أن الوضع قد أصبح أكثر انقسامًا، مع تضاؤل الفرص المتاحة لاستعادة الأراضي جراء الخلافات اليمنية الداخلية وعدم وجود دعم دولي لعملية برية واسعة. وبالمقابل، فإن تماسك الحوثيين مقابل تشرذم خصومهم يعزز من استمرارية التهديد الأمني الإقليمي والدولي، ويقوض المصالح الأمريكية في البحر الأحمر، ويترك الجنوب عرضة للأزمات وتنامي نشاط القاعدة.