تحقيق يكشف تلوث التربة الزراعية باليمن بمعادن ثقيلة وسموم خطيرة

تكشف تحقيقات ميدانية واسعة النطاق عن تلوث خطر للتربة الزراعية في اليمن، ناجم عن الاستخدام المستمر لمبيدات وأسمدة ممنوعة تحتوي على معادن ثقيلة كالرصاص والزرنيخ. أدت هذه الممارسات إلى تدهور خصائص التربة وانتقال السموم إلى السلسلة الغذائية، وسط غياب شبه تام للرقابة وانتشار الفوضى في تداول هذه المواد.
وقد تضمنت التحقيقات تحليلات مخبرية لعينة تربة من مزرعة في منطقة “حجر” بمحافظة الضالع، أظهرت نتائجها في ديسمبر 2024 تركيزاً مرتفعاً للرصاص بلغ 9.9 ملجم/كجم، أي تسعة أضعاف الحد المسموح به، بالإضافة إلى نسب خطيرة من الزرنيخ. وأكد الدكتور عبد القادر الخراز، أستاذ تقييم الأثر البيئي بجامعة الحديدة، أن هذا التلوث لا يقتصر على الضالع وحدها، بل يمتد ليشمل مناطق إنتاج رئيسية مثل وادي حريب بمأرب.
وسلطت تحليلات مخبرية أجريت في مختبر ALS الماليزي الضوء على خطورة الوضع في مأرب، حيث سجلت عينات التربة هناك نسبة رصاص بلغت 120 ملجم/كجم، إلى جانب وجود تركيزات متجاوزة للحدود الآمنة من الكادميوم والبريليوم والنيكل والزنك. ووفقاً لدراسة بعنوان “تأثير تلوث صناعة النفط على الصحة وسبل العيش”، فإن حوالي 70% من الأراضي المزروعة في ثلاث مناطق رئيسية بوادي حضرموت، بينها أبو تهيب والعقيل وقرى العويدان والأشراف والعين، ملوثة بالمعادن الثقيلة، ما يهدد صحة المستهلكين بشكل مباشر، خاصة وأن مأرب تساهم بنسبة 7.6% من الإنتاج الزراعي الوطني.
ويعزى جزء من هذه الأزمة إلى سوء إدارة المبيدات على مدى عقود، حيث وثقت تقارير دولية دفن نحو 30 طناً من المبيدات السامة منذ ثمانينيات القرن الماضي، مما لوث أكثر من 1500 طن من التربة. وتراكمت حوالي 462 طناً إضافياً من المبيدات القديمة والمهجورة في أكثر من 40 موقعاً، حسب تقرير أعده الدكتور هشام ناجي في أبريل 2023.
وحذر خبراء البيئة من أن بعض هذه المبيدات تبقى فعالة لعقود في التربة، وتمتصها النباتات لتنتقل إلى الثمار ومنها إلى الإنسان والحيوان. وتربط الدكتورة لُنا سعيد، أستاذة علوم البيئة، بين هذا التلوث وارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان، مشيرة إلى بيانات المركز الوطني للأورام التي سجلت زيادة الحالات من 4207 حالة عام 2015 إلى 6789 حالة في 2022، فيما بلغ عدد المتلقين للعلاج نحو 90 ألف شخص منذ عام 2003.
كما يشير التحقيق إلى انتشار مبيدات محظورة مثل “دروسبان” و”موسبيلان” و”سوبر أسيد” في أسواق محافظتي لحج وأبين، على الرغم من صدور قائمة حظر رسمية من وزارة الزراعة عام 2007. وتم ضبط مواد أخرى مثل “ميثومو ميل” و”بيريميفوس-مثيل” خلال حملات تفتيش في 2023، إلى جانب وجود بائعين غير مؤهلين في متاجر المبيدات يعملون بدون شهادات علمية متخصصة، في مخالفة واضحة للقوانين.
في ظل هذه المخاطر، تعيش كثير من الأسر اليمنية في حالة قلق دائم، كما تقول المواطنة إيناس الحمادي من لحج، التي تواظب على غسل الخضروات والفواكه عدة مرات دون أن تكون متأكدة من قدرتها على إزالة السموم المتسربة داخل أنسجة المحاصيل.