: لماذا حذّرت "الأمم المتحدة" من انهيار هدنة "الحديدة"؟ وما سبب رفض الحوثيين للخطة الأممية؟

اخبار من اليمن لماذا حذّرت “الأمم المتحدة” من انهيار هدنة “الحديدة”؟ وما سبب رفض الحوثيين للخطة الأممية؟
حذّر رئيس بعثة مراقبيّ الأمم المتحدة إلى اليمن ــ أمس ــ الحكومة والمتمرّدين الحوثيين من أن اتّفاق وقف إطلاق النار في الحديدة، الذي دخل أسبوعه السابع، لا يزال هشــًا، وحثّ الطرفين على إعطاء التوجيهات لقادتهم الميدانيين بترسيخ الهدنة .
وعقد رئيس البعثة الجنرال الهولنديّ المتقاعد باتريك كامرت أمس الأول الأحد اجتماعا على متن سفينة تابعة للأمم المتحدة راسية قبالة ميناء الحديدة مع ممثلين عن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والمدعومة من السعودية ، والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران من أجل محاولة تعزيز اتفاق وقف إطلاق النار .
وأصدرت الأمم المتحدة بيانا أعلنت فيه أنّ المحادثات ستتواصل، واصفة الاجتماع بأنه “ودي وبنّاء”.
ويهدف الاجتماع إلى معالجة المشاكل التي تواجه تطبيق اتفاق تمّ التوصّل إليه في السويد في ديسمبر ينصّ على وقف لإطلاق النار في الحديدة وسحب المقاتلين من المدينة وفتح ممرات إنسانية .
وحذّر كامرت “الطرفين من أنّ اتّفاق وقف إطلاق النّار لا يزال هشــًا وحثّهما على إعطاء التوجيهات للقادة الميدانيين بعدم القيام بمزيد من الانتهاكات التي قد تعرّض اتّفاق ستوكهولم وعملية السلام في اليمن للخطر”، بحسب البيان.
ومن الفاتيكان حضّ البابا فرنسيس أطراف النزاع في اليمن على “العمل بشكل عاجل لتعزيز احترام الاتفاقيات القائمة” لصالح هدنة في مدينة الحديدة، تعتبر ضروريّة لإيصال المساعدات الإنسانيّة .
وقال البابا قبيل توجّهه إلى الإمارات في زيارة تاريخية تستمر ثلاثة أيام “إنني أتابع بقلق كبير الأزمة الإنسانية في اليمن. لقد تعرّض السكان للإنهاك بسبب النزاع الطويل وكثير من الأطفال يعانون الجوع ؛ لكنـّـنا لا نستطيع الوصول إلى مستودعات الطعام”.
واجتماع أمس الأول الأحد هو الثالث للجنة المشتركة منذ تشكيلها في أعقاب التوصل إلى اتفاق في السويد اعتُبر خطوة كبيرة نحو إنهاء نزاع مدمّر يشهده اليمن منذ أكثر من أربع سنوات.
وجاء في البيان الأمميّ أن الطرفين “كررا التزامهما تطبيق الجوانب المتعلّقة بالحديدة في اتّفاق ستوكهولم”.
وقد اتّفقا على العمل من أجل إيجاد حلٍّ يتيح لعمال الإغاثة الوصول إلى مستودعات الأغذية التابعة لـ”مطاحن البحر الأحمر” في الحديدة.
وتعتبر هذه المطاحن آخر المواقع التي سيطرت عليها القوّات الموالية للحكومة بدعم من الإمارات والسعوديّة .
وقال مسؤول حكوميّ يمنيّ مشارك في الاجتماعات مشترطا عدم الكشف عن هويته إن كامرت نجح في جمع طرفي النزاع “فوق سفينة تابعة للأمم المتحدة ترسو قبالة ميناء الحديدة” على البحر الأحمر.
وأضاف أنّ الاجتماعات توقفت خلال الأسابيع الماضية “بسبب عراقيل وصعوبات واجهت رئيس اللجنة ، إلى جانب امتناع الحوثيين المشاركة في لقاءات بمناطق سيطرة الحكومة بالدريهمي جنوب مدينة الحديدة .
وفي رسالة وجّهتها السعودية والإمارات واليمن الخميس الماضي إلى مجلس الأمن ، اتّهمت الحكومات الثلاث الحوثيين بانتهاك وقف إطلاق النار في مدينة الحديدة 970 مرة .
وأمس الأول الأحد توفي نائب رئيس هيئة الأركان اليمنيّ صالح الزندانيّ متأثراً بجروح أصيب بها الشهر الماضي في هجوم بطائرة مسيّرة شنه المتمردون الحوثيون على أكبر قاعدة عسكرية في البلاد.
رفض الحوثيين للخطّة الأمميّة
فشل الجنرال باتريك كاميرت رئيس بعثة المراقبين الدوليين المستقيل، في تحقيق تقدم بشأن تثبيت هدنة الحديدة بين القوات الحكومية والحوثيين في اجتماع جمع الفرقاء على متن سفينة قبالة ميناء الحديدة.
وذكرت مصادر مطلعة لـ”العرب” أنّ الاجتماع الذي عقد على متن سفينة تابعة للأمم المتحدة، بحضور ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين، هو الأخير الذي يرأسه كاميرت قبل مغادرته الحديدة نهاية الأسبوع الجاري ليخلفه الجنرال الدنماركي مايكل لوليسغارد.
وأكدت المصادر أنّ كاميرت حرص على تجاوز عقبة الفشل في جمع ممثلي الحكومة والحوثيين في اللجنة قبيل مغادرته لمنصبه، الذي استمر فيه بعد تقديم استقالته بناء على رغبة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي تدخل بقوة للحيلولة دون انهيار وقف إطلاق النار في الحديدة وإعلان فشل اتفاقات السويد.
وبشأن تفاصيل اجتماع لجنة تنسيق إعادة الانتشار في الحديدة، قال الصحافي سامي باري موفد الإعلام الحكومي في اللجنة : إن الاجتماع تطرق لموضوع الخروقات الحوثية والمرحلة الأولى من خطة إعادة الانتشار التي تشمل الانسحاب من الموانئ والمناطق ذات الأهمية الإنسانيّة .
وأضاف باري في تصريح لـ”العرب” أنّ اللجنة استعرضت خطة تقدم بها الفريق الحكومي في اللجنة حول إعادة الانتشار، وآلية الانسحاب من الموانئ، مشيرًا إلى أنّ ممثلي الحوثيين اعترضوا على الخطوة الأولى من الخطة التي تتضمن الانسحاب من الموانئ وإعادة الانتشار في المواقع المرتبطة بالجوانب الإنسانية الحرجة واشترطوا انسحاب القوات الحكومية بحدود 15 كيلومترا من مناطق تواجدهم الحالية.
وكشفت مصادر سياسية لـ”العرب” في وقت سابق عن تقديم الحوثيين لحزمة جديدة من الاشتراطات للأمم المتحدة عبر مبعوثها إلى اليمن مارتن غريفيث لتنفيذ اتفاقات السويد، وهي الاشتراطات التي أفشلت مهمة غريفيث الأخيرة في صنعاء التي كانت تستهدف إقناع الحوثيين بتقديم تنازلات في ملف الحديدة، وفتح ممرات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية.
وأكدت المصادر قيام الميليشيات الحوثية بإيصال رسائل غير مباشرة للأمم المتحدة والمجتمع الدولي مفادها أنها لن تقبل بالانسحاب من الحديدة وموانئها إلا في إطار تسوية سياسية شاملة تتيح لها الاحتفاظ بمناطق سيطرتها في شمال اليمن وتوقف عمليات التحالف العربي.
وعن دلالات توقيت ومكان انعقاد آخر اجتماع للجنة تنسيق إعادة الانتشار في الحديدة برئاسة كاميرت، قال الباحث السياسي اليمني سياف الغربانيّ : إن مدينة الحديدة لم تعد آمنة للمراقبين الأمميين، خاصة إذا أصروا على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وإعادة الانتشار بشكل منضبط ، وتبعا لمضامينه الحقيقية ، ومن دون أيّ مرونة تجاه مناورات الحوثيين وطرقهم الملتوية .
ولفت الغرباني في تصريح لـ”العرب” إلى أنّ هذا ما يمكن فهمه من اختيار رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار الجنرال الهولندي باتريك كاميرت سفينة في البحر الأحمر لعقد آخر اجتماع برئاسته قبل تسليم مهامه لرئيس بعثة الرقابة الأممية الجديد .
وأضاف “الجنرال كاميرت بهذه الخطوة ربما يكون قد وضع المجتمع الدولي وجها لوجه أمام فشل الأمم المتحدة، في توفير الحدّ الأدنى من الأمن للجنة المراقبة في اليمن ، وفي ذات الوقت ترك إشارة ذكية في بريده حول هوية الطرف المتورّط باستهداف السيارة الأمميّة التي كان يستقلها في مدينة الحديدة”.
ويقلل العديد من المراقبين من إمكانية نجاح أيّ اجتماع للجنة تنسيق إعادة الانتشار في الحديدة التي لا يمتلك ممثلوّ الحوثيين فيها ذات الصلاحيّات التي كان يمتلكها الوفد الحوثيّ في مشاورات ستوكهولم التي لم ينفذ حتى الآن أي من مخرجاتها .
ويرى الباحث السياسي اليمني علي حميد الأهدل أن التحركات الأممية الأخيرة في الحديدة تكشف عن مدى عجز المنظمة الدولية أمام الميليشيات الحوثية، الأمر الذي بلغ ذروته مع الحملة الإعلامية التي استهدفت رئيس فريق المراقبين وتجاوز ذلك إلى إطلاق النار على موكبه وتعريض حياته للخطر، من دون أن تجرؤ الأمم المتحدة حتى على انتقاد الميليشيات الحوثية.
وأشار الأهدل في تصريح لـ”العرب” إلى أنّ الأداء الهزيل للأمم المتحدة وانصياعها لرغبات الحوثيين في تغيير رئيس فريق المراقبين، عززا من صورتها النمطية لدى الشارع اليمنيّ الذي يعتقد أنها تفتقد لإرادة التغيير في الحديدة وتريد أن تبقى فقط لمجرد الحضور وربما تنفيذ أجندات لأطراف دولية.
وأضاف “في الوقت الذي تعقد فيه لجنة إعادة الانتشار الأممية اجتماعاتها على متن السفينة فوس أبولو التابعة للأمم المتحدة، في عرض البحر بحضور فريقي الحكومة والحوثيين، لم تتوقف ميليشيات الحوثيين عن استهداف المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية المشتركة داخل مدينة الحديدة وهو ما يظهر تحديها الواضح وانتهاكها الصارخ لكل الجهود الأممية لصناعة السلام في الحديدة”.
إعاقة تحقيق السلام!
وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية د. أنور قرقاش : إنّ انتهاك ميليشيا الحوثي المتعمّد والمستمر لاتفاق وقف إطلاق النار في الحديدة ، ورفضها المشاركة الفعلية في العملية السياسيّة ، وعرقلتها المستمرة لعمل لجنة تنسيق إعادة الانتشار سيؤثر على جدوى تحقيق السلام الدائم والمستدام في اليمن .
جاء ذلك خلال مباحثات أجراها الوزير قرقاش خلال اليومين الماضيين في نيويورك مع كبار مسؤولي الأمم المتحدة لمناقشة الجهود المستمرة من أجل التوصل إلى حلٍّ سلميٍّ للصراع في اليمن ، وتحقيق مستقبل أكثر أملاً لكل اليمنيين .
وأعرب قرقاش عن قلقه العميق إزاء استمرار عرقلة جهود السلام في اليمن من قبل الحوثيين ــ مؤكداً في الوقت ذاته دعم بلاده لتحقيق الحل السياسي للصراع. وشدد عل? التزام التحالف العربي باتفاقية استوكهولم المُبرمة، بفضل وساطة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث.
وقال: ” نحن متفائلون بشأن آفاق التقدم في اليمن في العام 2019، ولا نزال ملتزمين بدعم تنفيذ اتفاقية استوكهولم”.
وأضاف “فبعد سنوات من الاقتتال، جاءت محادثات استوكهولم كونها فرصة نادرة للانتقال من المواجهة العسكرية إلى المفاوضات السياسية”.
واستدرك قرقاش قائلاً “ومع ذلك، فهي تتطلب التزاماً لتحويل الاتفاقية إلى أمر واقع”. وتابع: “للأسف، يواصل الحوثيون وداعموهم الإيرانيون القيام بكل ما في وسعهم لعرقلة الاتفاقية”.
وأردف “إنهم يتحّدون قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، دون مواجهة عواقب”. وأوضح أنّه تمّ توثيق ما يقارب من 1000 حالة انتهاك لاتفاق وقف إطلاق النار من قبل الحوثيين على مدى الأسابيع الماضية ؛ ما أدى إلى مقتل 71 من القوّات اليمنية وإصابة 534 آخرين”.
وقال “ندعو المجتمع الدولي إلى إقناع الحوثيين ومن يساندهم بأنّهم سوف يتحملون مسؤولية انهيار الاتفاقية إذا استمروا بتجاهل الامتثال بالتزاماتهم القانونية الدولية”.