الحوثي يشيّع غريفيث من صنعاء بـ"رسائل غرام" والرياض تستضيف اجتماع رئاسي طارئ
اخبار من اليمن الردود والتعليقات المشحونة بالرفض والاستياء تجاه اتفاق الحوثيين مع مارتن غريفيث على تسليم ميناء الحديدة لـ”طرف ثالث” لم تتوقف يمنياً، بل تصاعدت مشاعر الاستياء وباتت الانتقادات تتوجه مباشرة حتى إلى السلطة الشرعية، رئاسة وحكومة، وغيابهما عن النقاش والأجواء وإعلان موقف تجاه خطة الوصاية أو “الصفقة”.
فعلها مارتن غريفيث في الحديدة وعاد إلى صنعاء ملتقياً بمحمد علي الحوثي -وكان قبلها التقى عبدالملك الحوثي وقيادات في المجلس الحوثي- وغادر إلى الرياض. ليغرد الحوثي في تويتر بطريقة وُصفت بأنها “معصودة” ويتحدث عن “رسائل السلام” التي حملها معه غريفيث (..) ويقول إن أي تصعيد عسكري من الطرف الآخر “يمثل إهانة لمهمة المبعوث الأممي”! مغرد يمني قال إنها “رسائل غرام” فاضحة!
في ذلك الوقت كانت المليشيا تشن قصفاً مدفعياً وصاروخياً كثيفاً على كيلو 16 في الحديدة، وآخر في التحيتا، وتنشر أسلحة ثقيلة في محطة الكثيب الحرارية، وتوجه دبابة، وتنصب مدفعية، وتقتحم وتنهب وتلغم سكن عمال ومهندسي المحطة، وتفرض طوقاً، وتعلن المنطقة مغلقة.
بدت معالم الارتياح واضحة على الحوثيين خلال وبعد زيارة غريفيث. اتفق المبعوث الأممي مع الحوثيين، كما أعلن ذلك أمام وسائل الإعلام في رصيف ميناء الحديدة، على مباشرة الأمم المتحدة دوراً إشرافياً على الميناء. أو كما قال لاحقاً وبلغة الحوثيين أيضاً، تسليم الميناء إلى “طرف ثالث”!
نهار وليلة وأسئلة اليمنيين لم تتوقف، هزلاً أو جدياً أو تسلياً بالضحك في البلايا وشرها ما أضحك، حول هوية وطبيعة هذا الطرف الثالث؟ وبعض المعلقين ذهب إلى أن الطرف الثالث هي بريطانيا التي يمثلها غريفيث أكثر مما يمثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
ولماذا ليست الحكومة والسلطة الشرعية اليمنية هي التي تمارس مسئولياتها على الميناء، كما تنص قرارات مجلس الأمن؟ ما رتن غريفيث قال للصحفيين في الميناء “أنا هنا اليوم لأبلغكم أننا اتفقنا…”، كان للتو قادماً من مقابلة زعيم الحوثيين (الانقلابيين بوصف مجلس الأمن وقراراته) وهو عاد لمقابلة الحوثيين وغادر ليغرد الحوثيون عن “رسائل سلام” طي صفقة الميناء القذرة، كما يصفها مغرد يمني اتهم السلطة الشرعية أيضاً بالتواطؤ والصمت والمراوغة في تأخرها عن أخذ موقف رافض.
الإعلامية والناشطة اليمنية وميض شاكر غرت في تويتر “ليس من سلام اليمنيين أن يفاوض غريفيث على مصالح أوروبا من خلال اليمن والحديدة أنموذجاً”. متابعة “فبعد تأكيد بريطانيا خروجها من الاتحاد الأوروبي وإصرار ترامب على معاقبة إيران، أوروبا مهددة بخسران مصادر رزقها من الشرق الأوسط، وأتمنى ألا تكون اليمن الفقيرة قرباناً لأوروبا الغنية!”.
يمنيون آخرون في منصات التواصل ابتكروا التحليل التالي “يبدو أن بريطانيا خرجت من الاتحاد الأوروبي لتعود إلى اليمن”!
الوزير اليمني عبدالرقيب فتح غرد عن الطرف الثالث قائلاً “في اليمن طرفان.. لاثالث لهما: شرعي معترف به دولياً… وانقلابي انقلب على الشرعية ورفض كل القرارات والتوافقات.. الخروج عن هذا التصنيف هو خروج عن القوانين والشرعية الدولية، وتشجيع للتطرف ولغة الغاب.”
يعوض فتح بهذا التدخل في هذا الوقت نوعاً ما عن غياب موقف ورأي ورد للسلطة الرسمية.
كان المتوقع أن اجتماعاً ترأسه نائب الرئيس علي محسن الأحمر في الرياض بمستشاري الرئيس، وقالت الوكالة الرسمية إنه جاء بتوجيهات الرئيس للوقوف على آخر التطورات السياسية، سوف يأخذ موقفاً رسمياً واضحاً بهذه الصفة الرفيعة للقيادة الرئاسية العليا.
لكن خبر مخرجات الاجتماع يوم الأحد في وكالة سبأ خلا من أي ذكر أو إشارة إلى الحديدة والميناء والمعركة والصفقة. ما الذي كانت تعنيه “آخر التطورات؟”.
الاجتماع أعاد التأكيد على الجملة الوحيدة المكررة دائماً، حتى ملها السامع والقارئ والمذيع، “إسناد ودعم السلام وفقاً للمرجعيات الثلاث”. هل يعتبر هذا موقفاً برأيهم؟؟
وفي تويتر، أيضاً، يقول فتح – الوزير “القانون الدولي وكل الاتفاقيات الدولية تنص أن كل التراب الوطني لدولة ما يجب أن تخضع لرئيس شرعي وحكومة شرعية..
الأمم المتحدة ومجلس أمنها وممثلوها على مستوى العالم هم حراس على تطبيق القوانين التي تحمى الدول ووحدة ترابها. لذا أي خروج عن ذلك.. هو عمل خارج القانون.. جريفت يفهم ذلك.”
مع التأكيد على الجودة والجدية في تغريدة الوزير الناصري، لكن يبدو أن غريفيث لا يفهم ذلك أو أنه قرر أن لا يفهم. لكن لماذا لا تفهم السلطة الرسمية كحكومة ورئاسة أن هذا الكلام ينبغي أن يكون موقفاً رسمياً صادراً عنها ليؤخذ موقفاً رسمياً؟ لأن العالم والدبلوماسية والمؤسسات الدولية لا تأخذ المواقف الرسمية من تويتر.
يمنيون ركّبوا صوراً كثيرة لمارتن غريفيث الإنجليزي صديق الحوثيين الحميم. صورة ظهر فيها بوجهه في هيئة زعيم الحوثيين يلقي إحدى خطاباته الطويلة التي تبعث على السأم عبر شاشة المسيرة.
رسم كاريكاتير لفنان نيوزيمن رشاد السامعي، وضع شركاء الصفقة الفاحشة على طاولة احتفال بالمناسبة ويعبان النشوة. ولم تُر هنا رسائل السلام، لربما نساها في جيب بنطلونه الخلفي الذي تركه في الفندق.
أمام هذا كله تتقلص احتمالات وخيارات الأمر الواقع، وصاية دولية تشعل حرباً أسوأ من حرب جاء غريفيث ليتوسط فيها بالسلام، لكنه تورط في تغذية حرب أكبر، أو أن تأخذ السلطة دورها كصاحب الدولة المعني بالأمر فتبطل سحر “مارتن بدر الدين الحوثي” كما أطلق عليه مغردون ساخرون.
بأسلوب المختصر يغرد علوي الباشا بن زبع “اليمن بين خيارات محدودة جداً: الاحتكام للدولة، الاحتكام للبندقية، الذهاب للحرب الأهلية. والكرة في ملعب الحوثيين وغريفيث!”.