جزيرة سقطرى اليمنية.. ثقافة غنية وتاريخ عريق وطبيعة ساحرة

تقع جزيرة سقطرى في أقصى جنوب اليمن، حيث يعانق المحيط الهندي رمال الشواطئ البكر، وتبرز كمتحف طبيعي منسي يأسر أنظار من تطأ أقدامهم أرضها. بعيدًا عن أزيز الحروب وضجيج المدن، تشكل سقطرى عالمًا قائمًا بذاته، تزخر بتنوع بيولوجي نادر، وتحمل ثقافة ضاربة بجذورها في التاريخ، ولغة يحدّث بها سكانها السّتون ألفًا، أقدم من العربية نفسها.
الوصول إلى هذه “الجنة المنعزلة” ليس بالأمر السهل. الرحلات الجوية محدودة تنطلق فقط من أبوظبي مرتين أسبوعيًا، وفي ظل ندرة إمكانيات النقل، غالبًا ما تقتصر الإقامة على التخييم أو فنادق متواضعة في مدينة حديبو. إلا أن رحلات “سقطرى إكسبيدشنز”، التي يديرها البريطاني السابق شون نيلسون، قدّمت خيارًا آخر: مخيم متنقل يمتزج بعروق الطبيعة المحلية ويشكل العشّاق من السكان في تنظيم تجربة فريدة لا تُنسى.
يعمل نيلسون مع مرشدين محليين كمرافق ودلـيل مثل سالم أحمد، في مسعى لحماية لغة سقطرى من الاندثار. وعلى امتداد الرحلة، تنتقل الجماعات بين كهوف وممرات جبلية، ومياه فيروزية ووديان خضراء، يعيشون لحظات سحرية يهوّطها طور يمني على الشواطئ ويقدّم على وقع حدير الأمواج.
في حضن ديكام، حيث تقف أشجار دم التنين الشاهقة شهودًا على قرون من التاريخ، يستقبل الزوار سليمان المرّوه، راعي محلي ومرشد، ويُعدّ في كهف قريب ولائم طعام محلية. يظهر سليمان كيف تحصد مادة اللبان الحمراء، من الأشجار، ويحذر من تأثير السياحة غير المنضبطة والجفاف والأعاصير على نظام الجزيرة البيئي الهش. ورغم تقدّمه في السن، يفصح مشتاقًا صغيرًا لحماية هذه الأشجار للأجيال القادمة.
الرحلة إلى سقطرى لا تقتصر على المناظر، بل هي تفاعل مع سكان يملكون إرثًا ثقافيًا وبيئيًا يخشى عليه من الزوال. من توثيق اللغة السقطرية، إلى الترويج لسياحة مستدامة تحفظ طبيعة الجزيرة وسكانها، تظل سقطرى شاهدًا حيًا على كيف يمكن للجمال النادر أن يكون مهددًا إن لم يتحصن بوعي ومسؤولية.