عدن تغرق في الأزمات: ظلام وطفيح المجاري وانهيار اقتصادي وسط قمع الاحتجاجات.

تغرق العاصمة اليمنية المؤقتة عدن في ظلام دامس وانقطاع للمياه، وتفاقمت الأزمات الخدمية في المدينة التي كانت يومًا ما تنبض بالحياة. تعاني شبكات المياه من توقف تام، وتطفح المجاري في الشوارع، مما يثير تساؤلات حول حجم الانهيار الذي وصل إليه الوضع.
يأتي هذا التدهور في ظل انهيار اقتصادي كبير وتراجع حاد في قيمة العملة الوطنية، حيث تجاوز سعر الدولار الأمريكي حاجز الـ 2700 ريال يمني. فقدت عدن، المعروفة بـ”ثغر اليمن الباسم”، بريقها على مدى عشر سنوات منذ استعادتها عام 2015.
بلغت ساعات انقطاع التيار الكهربائي أكثر من 11 ساعة يوميًا، حسب شهادات محلية، وسط عجز الجهات الرسمية عن إيجاد حلول لهذه الأزمة التي أثقلت كاهل السكان. وتتخذ الحكومة اليمنية عدن مقرًا لها، لكنها تخضع لهيمنة المجلس الانتقالي الجنوبي إداريًا وأمنيًا وعسكريًا، بوجود شكلي للحكومة.
اشتعل الغضب الشعبي في العاصمة المؤقتة، حيث خرج المواطنون للمطالبة بتحسين الخدمات الأساسية وسعر صرف العملة. إلا أن المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يدعو لانفصال الجنوب، استخدم قواته الأمنية والعسكرية لقمع الاحتجاجات، مما دفع شباب المدينة للتراجع خشية الاعتقال.
ولم يثنِ الحضور الأمني المكثف للنساء العدنيات عن الخروج في مظاهرات متوالية، حاملات رسالة واضحة مفادها أن “الوضع لا يُحتمل”. رددت النساء هتافات مناهضة للمجلس الانتقالي والحكومة والرئاسي، بالإضافة إلى مطالبات برحيل التحالف العربي بقيادة السعودية.
منذ انتصارها على الحوثيين في يوليو 2015، كان يُنتظر أن تتحول عدن إلى نموذج تنموي جاذب للاستثمارات، لكنها غرقت في مستنقع الأزمات. السكان المحليون يتساءلون عن المسؤولية الحقيقية وراء هذا الواقع الأليم، في ظل محاولات الأطراف المتنازعة التنصل منها وإلقاء اللوم على الآخرين.
ويصف الكاتب الصحفي صلاح السقلدي وضع عدن بأنه نتيجة منطقية للخلافات السياسية الحادة داخل الحكومة والحكومة الرئاسية. وأشار إلى أن المواطن اليمني هو من يدفع ثمن هذا الوضع المتردي، وأن الخدمات أصبحت ورقة ابتزاز سياسية تضر بالشرعية وتصب في مصلحة الحوثيين.
ويوضح السقلدي أن غياب البنية التحتية، وتفشي الفساد، والجبايات، وارتفاع الأسعار، تجعل من عدن بيئة طاردة للاستثمار والمستثمرين. ويرى أن الحكومة والرئاسة يتحملان الجزء الأكبر من المسؤولية، يليهما المجلس الانتقالي باعتباره القوة الحاكمة الفعلية للمدينة. كما يحمل التحالف بقيادة الرياض مسؤولية كبيرة بالنظر إلى إمكانياته وأوراق الضغط التي يمتلكها.
وحول قمع التظاهرات، يرى السقلدي أن الاحتجاجات ستستمر طالما استمر سوء الأوضاع. وينتقد المجلس الانتقالي لتبرؤه من شركائه في الحكومة واتهامه لهم بإعاقة جهوده، بينما يقمع المواطنين المطالبين بتحسين الأوضاع. ودعا إلى الوقوف مع المواطن لاستعادة حقوقه بدلًا من قمعه.
وسجل الريال اليمني انخفاضًا كبيرًا في قيمته، إذ بلغت نسبة التراجع 33% مقارنة بالعام الماضي، و5% مقارنة بشهر أبريل الماضي، وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. وتعزو المنظمة ذلك إلى نقص احتياطيات النقد الأجنبي وتوقف صادرات النفط والغاز.
وبدوره، يرى الباحث اليمني عبدالله الهندي أن عدن تحولت إلى ساحة لصراع النفوذ بين قوى متعددة، مما أدى إلى تفكيك مؤسسات الدولة وغياب الحوكمة. وأوضح أن كل طرف يملك جزءًا من القرار دون تحمل المسؤولية الكاملة، مما أنتج وضعًا إداريًا وأمنيًا هجينًا.
ويلفت الهندي إلى أن عدن لم تحظ بفرصة للنهوض، بل أصبحت رمزًا للتنازع لا مركزًا للبناء، حيث تتداخل مستويات الصراع السياسي والإداري والخدمي. وغياب الدولة المركزية وتعدد مشاريع القوى المتصارعة، وتفكيك المؤسسات، وشلل البنى التحتية، كلها عوامل ساهمت في انهيار الخدمات وانتشار الأزمات.
وتُلقى المسؤولية على الحكومة الشرعية لفشلها في بسط سيادتها على الأرض، وعلى المجلس الانتقالي الجنوبي لعدم نجاحه في تقديم نموذج حكم ناجح رغم سيطرته الفعلية على المدينة. كما يتحمل التحالف، وخاصة الإمارات، جزءًا من المسؤولية لدعمه كيانات موازية للسلطة وخلقه لمراكز نفوذ غير خاضعة للمؤسسات. أما السعودية، فيُنظر إلى دورها بأنه سلبي في التماهي مع ما يحدث.
ويفسر الهندي قمع المجلس الانتقالي للاحتجاجات بمأزق شرعيته الهشة واعتماده على القوة الأمنية بدلًا من بناء قاعدة دعم اجتماعي حقيقية. ويأتي هذا في وقت كشفت فيه منظمة الصحة العالمية عن تسجيل آلاف الإصابات بحمى الضنك في عدن ومحافظة لحج.